كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام



وقوله: (أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم) قيل: فيه دليل على جواز تعليق الإحرام بإحرام الغير وانعقاد إحرام المعلق بما أحرم به الغير ومن الناس من عدى هذا إلى صور أخرى أجاز فيها التعليق ومنعه غيره ومن أبى ذلك يقول: الحج مخصوص بأحكام ليست في غيره ويجعل محل النص منها.
وقوله: (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها عمرة) فيه عموم وهو مخصوص بأصحابه الذين لم يكن معهم هدي ة قد بين ذلك في حديث آخر وفسخ الحج إلى العمرة كان جائزا بهذا الحديث وقيل: أن علته حسم مادة الجاهلية في اعتقادها أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.
واختلف الناس فيما بعد هذه الواقعة هل يجوز فسخ الحج إلى العمرة كما في هذه الواقعة أم لا؟ فذهب الظاهرية إلى جوازه وذهب أكثر الفقهاء المشهورين إلى منعه وقيل إن هذا كان مخصوصا بالصحابة وفي هذا حديث عن أبي ذر رضي الله عنه وعن الحارث بن بلال عن أبيه أيضا أعني في كونه مخصوصا.
وقوله: «فيطوفوا ثم يقصروا» يحتمل قوله فيطوفوا وجهين: أحدهما: أن يراد به الطواف بالبيت على ما هو المشهور ويكون في الكلام حذف أي يطوفوا ويسعوا فإن العمرة لابد فيها من السعي ويحتمل أن يكون استعمل الطواف في الطوف في البيت وفي السعي أيضا فإنه قد يسمى طوافا قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158].
وقوله: (فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر), فيه دليل على استعمال المبالغة في الكلام فإنهم إذا حلوا من العمرة وواقعوا النساء كان إحرامهم للحج قريبا من زمن المواقعة والإنزال فحصلت المبالغة في قرب الزمان بأن قيل وذكر أحدنا يقطر وكأنه إشارة إلى اعتبار المعنى في الحج وهو الشعث وعدم الترفه فإذا طال الزمن في الإحرام حصل هذا المقصود وإذا قرب زمن الإحرام من زمن التحلل ضعف هذا المقصود أو عدم وكأنهم استنكروا زوال هذا المقصود أو ضعفه لقرب إحرامهم من تحللهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت» فيه أمران:
أحدهما: جواز استعمال لفظة لو في بعض المواضع وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلاف ذلك وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن لو تفتح عمل الشيطان» وقد قيل في الجمع بينهما إن كراهتها في استعمالها في التلهف على أمور الدنيا إما طلبا كما يقال: لو فعلت كذا حصل لي كذا وإما هربا كقوله: لو كان كذا لما وقع لي كذا وكذا لما في ذلك من صورة عدم التوكل في نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر وإما إذا استعملت في تمني القربات كما جاء في هذا الحديث فلا كراهة هذا أو ما يقرب منه.
الثاني: استدل به على أن التمتع أفضل ووجه الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم تمنى ما يكون به ممتعا لو وقع وإنما يتمنى الأفضل مما حصل ويجاب عنه بأن الشيء قد يكون أفضل بالنظر إلى ذاته بالنسبة إلى شيء آخر وبالنظر إلى ذات ذلك الشيء الآخر ثم يقترن بالمفضول في صورة خاصة مما يقتضي ترجيحه ولا يدل ذلك على أفضليته من حيث هو هو وهاهنا كذلك فإن هذا التلهف اقترن به قصد موافقة الصحابة في فسخ الحج إلى العمرة لما شق عليهم ذلك وهذا أمر زائد على مجرد التمتع وقد يكون التمتع مع هذه الزيادة أفضل ولا يلزم من ذلك أن يكون التمتع بمجرده أفضل.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولولا أن معي الهدي لأحللت» معلل بقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وفسخ الحج إلى العمرة يقتضي التحلل بالحلق عند الفراغ من العمرة ولو تحلل بالحلق عند الفراغ من العمرة لحصل الحلق قبل بلوغ الهدي محله وقد يؤخذ من هذا والله أعلم التمسك بالقياس فإنه يقتضي تسوية التقصير بالحلق في منعه قبل بلوغ الهدي محله مع أن النص لم يرد إلا في الحلق فلو وجب الاقتصار على النص لم يمتنع فسخ الحج إلى العمرة لأجل هذه العلة فإنه حينئذ كان يمكن التحلل من العمرة بالتقصير ويبقى النص معمولا به في منع الحلق حتى يبلغ الهدي محله فحيث حكم بامتناع التحلل من العمرة وعلل بهذه العلة: دل ذلك على أنه أجرى التقصير مجرى الحلق في امتناعه قبل بلوغ الهدي محله مع أن النص لم يدل عليه بلفظه وإنما ألحق به بالمعنى.
وقوله: (وحاضت عائشة)- إلى آخره يدل على امتناع الطواف على الحائض إما لنفسه وإما لملازمته لدخول المسجد ويدل على فعلها لجميع أفعال الحج إلا ذلك وعلى أنه لا تشترط الطهارة في بقية الأعمال.
وقوله: (غير أنها لم تطف بالبيت) فيه حذف تقديره: ولم تسع ويبين ذلك رواية أخرى صحيحة ذكر فيها: (أنها بعد أن طهرت طافت وسعت) ويؤخذ من هذا: أن السعي لا يصح إلا بعد طواف صحيح فإنه لو صح لما لزم من تأخير الطواف بالبيت تأخير السعي إذ هي قد فعلت المناسك كلها غير الطواف بالبيت فلولا اشتراط تقدم الطواف على السعي لفعلت في السعي ما فعلت في غيره وهذا الحكم متفق عليه بين أصحاب الشافعي ومالك وزاد المالكية قولا آخر: أن السعي لابد أن يكون بعد طواف واجب وإنما صح بعد طواف القدوم- على هذا القول- لاعتقاد هذا القائل وجوب طواف القدوم.
وقولها: (ينطلقون بحج وعمرة) تريد العمرة التي فسخوا الحج إليها والحج الذي أنشئوه من مكة وقولها: (وأنطلق بحج؟) يشعر بأنها لم تحصل لها العمرة وأنها لم تحل بفسخ الحج الأول إلى العمرة وهذا ظاهر إلا أنهم لما نظروا إلى روايات أخرى اقتضت: أن عائشة اعتمرت لأنه عليه السلام أمرها بترك عمرتها ونقض رأسها وامتشاطها والإهلال بالحج لما حاضت لامتناع التحلل من العمرة بوجود الحيض ومزاحمته وقت الحج وحملوا أمره عليه السلام بترك العمرة على ترك المضي في أعمالها لا على رفضها بالخروج منها وأهلت بالحج مع بقاء العمرة فكانت قارنة- اقتضى ذلك: أن تكون قد حصل لها عمرة فأشكل حينئذ قولها: (ينطلقون بالحج والعمرة وأنطلق بالحج) إذ هي أيضا قد حصل لها حج وعمرة لما تقرر من كونها صارت قارنة فاحتاجوا إلى تأويل هذا اللفظ فأولوا قولها: (ينطلقون بحج وعمرة وأنطلق بحج) على أن المراد: ينطلقون بحج مفرد عن عمرة وعمرة منفردة عن حج وأنطلق بحج غير مفرد عن عمرة فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة ليحصل لها قصدها في عمرة مفردة عن حج وحج مفرد عن عمرة هذا حاصل ما قيل في هذا مع أن الظاهر خلافه بالنسبة إلى هذا الحديث لكن الجمع بين الروايات ألجأهم إلى مثل هذا.
وقوله فأمر عبد الرحمن- إلى آخره يدل على جواز الخلوة بالمحارم ولا خلاف فيه.
وقوله: (أن يخرج معها إلى التنعيم) يدل على أن من أراد أن يحرم بالعمرة من مكة لا يحرم بها من جوفها بل عليه الخروج إلى الحل فإن التنعيم أدنى الحل وهذا معلل بقصد الجمع بين الحل والحرم في العمرة كما وقع ذلك في الحج فإنه جمع فيه بين الحل والحرم فإن عرفة من أركان الحج وهي من الحل.
واختلفوا في أنه لو أحرم بالعمرة من مكة ولم يخرج إلى الحل: هل يكون الطواف والسعي صحيحا ويلزمه دم أو يكون باطلا؟ وفي مذهب الشافعي خلاف ومذهب مالك: أنه لا يصح وجمد بعض الناس فشرط الخروج إلى التنعيم بعينه ولم يكتف بالخروج إلى مطلق الحل ومن علل بما ذكرناه وفهم المعنى- وهو الجمع بين الحل والحرم- اكتفى بالخروج إلى مطلق الحل.
2- عن جابر رضي الله عنه قال: (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبيك بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلناها عمرة).
حديث جابر على أنهم أحرموا بالحج وردوه إلى العمرة وقد ذكرنا أن مذهب الظاهرية جوازه مطلقا وهو المحكي أيضا عن أحمد.
وقوله فيه: (ونحن نقول لبيك بالحج) يدل على أنهم أحرموا بالحد مفردا لكنه محمول على بعضهم لما ورد في حديث آخر عن جابر: (فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة).
3- عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة فأمرهم: أن يجعلوها عمرة, فقالوا: يا رسول الله أي الحل؟ قال: «الحل كله».
وحديث ابن عباس يدل أيضا على فسخ الحج إلى العمرة وفيه زيادة: أن التحلل بالعمرة تحلل كامل بالنسبة إلى جميع محظورات الإحرام لقوله صلى الله عليه وسلم للصحابة لما قالوا: أي الحل؟ قال: «الحل كله» وقول الصحابة كأنه لاستبعادهم بعض أنواع الحل وهو الجماع المفسد للإحرام فأجيبوا بما يقتضي التحلل المطلق والذي يدل على هذا: قولهم في الحديث الآخر: «ينطلق أحدنا إلى منى وذكره يقطر» وهذا يشعر بما ذكرناه من استبعاد التحلل المبيح للجماع.
4- عن عروة بن الزبير قال: (سئل أسامة ابن زيد- وأنا جالس- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حين دفع؟ قال: كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص).
العنق انبساط السير والنص فوق ذلك.
حديث عروة بن الزبير عن أسامة لا يتعلق بفسخ الحج إلى العمرة وقد أدخله المصنف في بابه والعنق بفتح المهملة والنون والنص فتح النون وتشديد الصاد المهملة- ضربان من السير والنص: أرفعهما.
وفيه دليل على أنه عند الازدحام: كان يستعمل السير الأخف وعند وجود الفجوة- وهو المكان المنفسح- يستعمل السير الأشد وذلك باقتصاد لما جاء في الحديث الآخر: «عليكم السكينة».
5- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسألونه فقال: رجل لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: «اذبح ولا حرج» وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم ولا حرج» فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج».
الشعور العلم وأصله: من المشاعر وهي الحواس فكأنه يستند إلى الحواس والنحر ما يكون في اللبة والذبح ما يكون في الحلق والوظائف يوم النحر أربعة: الرمي ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة هذا هو الترتيب المشروع فيها ولم يختلفوا في طلبية هذا الترتيب وجوازه على هذا الوجه إلا أن ابن جهم- من المالكية- يرى أن القارن لا يجوز له الحلق قبل الطواف وكأنه رأى أن القارن عمرته وحجته قد تداخلا فالعمرة قائمة في حقه والعمرة لا يجوز فيها الحلق قبل الطواف وقد يشهد لهذا: قوله عليه السلام في القارن: «حتى يحل منهما جميعا» فإنه يقتضي أن الإحلال منهما يكون في وقت واحد فإذا حلق قبل الطواف: فالعمرة قائمة بهذا الحديث فيقع الحلق فيهما قبل الطواف وفي هذا الاستشهاد نظر ورد عليه بعض المتأخرين بنصوص الأحاديث والإجماع المتقدم عليه وكأنه يريد بنصوص الأحاديث: ما ثبت عنده: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا في آخر الأمر) وأنه حلق قبل الطواف وهذا إنما ثبت بأمر استدلالي لا نصي عند الجمهور أو كثير أعني: كونه عليه السلام قارنا وابن الجهم بنى على مذهب مالك والشافعي ومن قال بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفردا وأما الإجماع: فبعيد الثبوت إن أراد به الإجماع النقلي القولي وإن أراد السكوتي: ففيه نظر وقد ينازع فيه أيضا.
وإذا ثبت أن الوظائف أربع في هذا اليوم فقد اختلفوا فيما لو تقدم بعضها على بعض فاختار الشافعي جواز التقديم: وجعل الترتيب مستحبا ومالك وأبو حنيفة يمنعان تقديم الحلق على الرمي لأنه حينئذ يكون حلقا قبل وجود التحللين وللشافعي قول مثله وقد بنى القولان له على أن الحلق نسك أو استباحة محظور فإن قلنا: إنه نسك جاز تقديمه على الرمي لأنه يكون من أسباب التحلل وإن قلنا: إنه استباحة محظور: لم يجز لما ذكرناه من وقوع الحلق قبل التحللين وفي هذا البناء نظر لأنه لا يلزم من كون الشيء نسكا أن يكون من أسباب التحلل ومالك يرى أن الحلق نسك ويرى- مع ذلك- أنه لا يقدم على الرمي إذ معنى كون الشيء نسكا: أنه مطلوب مثاب عليه ولا يلزم من ذلك أن يكون سببا للتحلل ونقل عن أحمد: أنه إن قدم بعض هذه الأشياء على بعض فلا شيء عليه إن كان جاهلا وإن كان عالما: ففي وجوب الدم روايتان وهذا القول في سقوط الدم عن الجاهل والناسي دون العامد: قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج بقوله: «خذوا عني مناسككم» وهذه الأحاديث المرخصة في التقديم لما وقع السؤال عنه: إنما قرنت بقول السائل لم أشعر فيخصص الحكم بهذه الحالة وتبقى حالة العمد على أصل وجوب اتباع الرسول في أعمال الحج ومن قال بوجوب الدم في العمد والنسيان عند تقدم الحلق على الرمي: فإنه يحمل قوله عليه السلام: «لا حرج» على نفي الإثم في التقديم مع النسيان ولا يلزم من نفي الإثم نفي وجوب الدم.
وادعى بعض الشارحين: أنه قوله عليه السلام: «لا حرج» ظاهر في أنه لا شيء عليه.
وعني بذلك نفي الإثم والدم معا وفيما ادعاه من الظهور نظر وقد ينازعه خصومه فيه بالنسبة إلى الاستعمال العرفي فإنه قد استعمل لا حرج كثيرا في نفي الإثم وإن كان من حيث الوضع اللغوي يقتضي نفي الضيف قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].